BLOGGER TEMPLATES AND TWITTER BACKGROUNDS »

الموعد



المــــوعد

في منتصف الليالي الساكنة ..
و تحت وطأه ظلال ليلها القاتم الحالك …
الذي لا يبدد سواده سوى ذلك البريق الذي يلمع في عينيّ ..
استلقي انا على سريري الزنبركي ..
لتبدأ تلك الافكار المجنونه في القفز الى لبّ ذهني ..
افكر مليا في ان اتخلص من كل ذلك الجنون الذي يغزو فكري ..
فلا اجد وسيلة افضل او حتى اسهل من انهاء تلك الفوضى ..
الا بترجمتها الى كلمات أملأ بها صحيفه مذكراتي ..
و عندما اصل للحظه الأهبه و الاستعداد ..
أستل قلمي بشجاعه ,, تماما كما يستل الفارس سيفه من غمده ..
ألتقط عددا من الاوراق التي تـتـناثر فوق غطاء سريري الحريري ..
و انطلق ..
هذا هو حال كل ليله انقضت مذ تلك الليله المشؤؤمه التي فارقت فيها زوجي الغالي ..
تزوجنا في طقوس قدسيه لا تنسى ..
غمرني بحبه و عاطفته منذ الوهله الاولى التي اجتمعنا فيها تحت ظل الرباط المقدس ..
اخذني في اجواء لم اكن لأحلم بها يوما قط ..
فرض احترامه على الجميع ..
و اوجد لنفسه متسعا كبيرا في قلبي ..
كان زوجي رجلاً نبيلا أ ُلبس قلبه لباس التقوى و طُــهّرت روحه بنور الايمان ..
حيينا كل لحظه سويا ..
تقاسمنا الضحكات و العبرات ..
و جاءت تلك اللحظه المرتقبه لتــزُف لنا تباشير حملي الاول بطفلتي ..
فبعد ان تبادر الى اسماعنا ذلك النبأ ..
اسرع زوجي لمحرابه و ادى قربات شكر لله ..
سعاده عارمه احتوتنا نحن الاثنين طيله فتره الانتظار التي سبقت ولاده طفلتنا ..
لكن شاءت الاقدار ان ينكسر طوق الفرح ..
بعد اشهر قليله ..
حملت لي الايام خبراً صعق روحي و كياني ..
فزوجي العزيز يجاهد مرضا قد يفتك بحياته ..
رغم الالم الذي كان يدمي قلبي في كل مره افكر فيها ان رجلي قد يرحل في أي لحظه ..
الا ان مواساته لي و تذكيري بوعد خالقي في ان نجتمع في ذلك اليوم الموعود ..
كان يهدئ من روعي و يزيدني قوه و صبرا و ايمانا ..
و بعد ان اكتمل نمو جنيني ..
و قدم ذلك اليوم الذي كتب الله فيه لنا ان نصبح والدين ..
كان زوجي ملازما لي طـوال ذلك الوقت ..
الى ان حـّلت طفلتي ضيفه على هذه الدنيا و على حياتنا ..
و ابصرت عيناها الصغيرتان اللؤلؤيتان النور ..
سجد زوجي لله شكرا و عرفانا على ما اكرم و تكـّرم ..
و كانت انامله اول انامل تلامس جلدها الرقيق ..
انقضى اليوم الاول وسط فرحتنا و فرحه اقاربنا و محبـينا ..
بعدها انتقلنا الى منزلنا المتواضع حيث الدفء و الحنان ..
مضى الشهر الاول من عمر طفلتنا الجميله بسلام ..
لكن الانتكاسات التي عانى منها زوجي بعد ذلك كانت نذر شؤم على كلينا ..
و على إثر هذه الانتكاسات المتتاليه ..
ادخل زوجي الى المشفى لتلقى العلاج ..
و لحاجه ابنتي الصغيره الى الرعايه..
لم يكن بمقدوري ملازمه سرير زوجي طيله الايام ..
و في احدى الليالي الكئيبه..
رن جرس هاتف المنزل ..
في اعماق نفسي شيء يمنعني من ان اجيب ..
على الرغم من توقف ذلك الرنين الا اني ما زلت اشعر بدويه في اذنيّ ..
لم تلبث الا لحظات و اذا بي اسمع رنين هاتفي الخلوي ..
في ذهول التقطت الهاتف و امعنت النظر الى المتصل ..
و اذا به المشفى ..
اجبت بحشرجه ..
لينقل لي ذلك الشخص وراء الهاتف نبأ موت زوجي و حبيبي ..
اخبرني بضروره زيارتنا للمشفى لانهاء بعض الاجراءات المتعلقه بهذا الخصوص ..
اغلقت الهاتف ومراره الالم تعتصر قلبي ..
بهستيريا حملت طفلتي و غادرت المنزل للمشفى ..
اتممت الاجراءات و اخبرني المسؤوول ان هناك بعض الخاصيّات التي تركها المرحوم لي ..
اخرجها و اذا به صندوق متوسط الحجم ..
احتفظت به و رجعت ادراجي من حيث جئت ..
في غرفه نومي و على هذا السرير الذي اكتب منه الان ..
فتحت الصندوق لألقي بنظري الى محتواه ..
بداخله سجاده و مصحف ..
كذلك المسبحه الخاصه بزوجي ..
صوره تجمع عائلتنا (هو و انا و ابنتنا) ..
اضافه لبطاقه صغيره خطها زوجي بيده ..
كتب فيها ..
" بسم الله الرحمن الرحيم ..
زوجتي و حبيبتي في الله ..
و كما ان لكل أمرءٍ بداية ..
لا بد ان ياتي ذلك اليوم الذي يراقب فيه المرء نهاياته ..
و ان قلبي راضٍ كل الرضا بما كتبه الله تعالى و عجّل به ..
واعلمي ..
ان روحي باذن الله ستكون واقفة من بعييد تنظر الى ملاكيّها على هذه الارض الزائله ..
اوصيك بحفظ ما تبقى لي في هذه الدنيا ..
وان كان الله تعالى قد كتب لك نصيبا في ان تحيي حياه جديده ..
تخيري لابنتنا خير الاب ..
زوجتي الحبيبه ..
رجائي ان تعفي لي عن كل خطيئه اخطئتها وفيها عليك ضرر ..
و ان تعذريني عن كل نقص انتقصته من حقك ..
و اخر رجائي ان نلتقي على منابر من نور في ذلك اليوم الموعود ..

(والذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون)..
المحب لكم دائما ..
زوجك "

هكذا غادرنا زوجي الحبيب ..
عهدناه نبيلا مؤمنا ..
و رحل نبيلا مؤمنا ..